1
لقد رقى الإسلام بالإنسان رقيا لم يحلم به حتى الأنبياء عليهم السلام ، إذ قال الله سبحانه وتعالى عن عباده المقربين : (أعددت لعبادي الصالحين ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهم.إذ لا يعلم الأسرار الكاملة ،والغايات الجليلة ، التي أرادها الله لهذا الإنسان في آزاله وآباده إلا هو سبحانه العليم القدير الكامل ، سبحانه ما أكرمه...
2
لكن هذا الإنسان المكرم ( ولقد كرمنا بني آدم)الإسراء 70..ورغم معرفته البليغة بخفايا الطبيعة، وعلمه بالعديد من علومها المادية، بل وبكل تفاصيل دنيوياتنا ، لايزال يجهل حقيقته، أو على الأصح قيمته عند الله تعالى ..
القيمة التي لا يمكن معرفتها إلا باكتشاف الإنسان لطاقاته الفكرية والقلبية والروحية أولا....:
3
فالإنسان متى فكر، ومتى شخص نفسه بحكمة، وصل إلى ما خفي عن غيره من آيات الله فيه كما أمر بذلك سبحانه : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟ ) الذاريات 21:
4
فلقد أكرم الله الإنسان بكثير من المميزات والمزايا التي لم يهبها لمخلوق غيره ، والتي نذكر منها :ــ أن نفخ فيه من روحه :( ونفخت فيه من روحي )الحجر29.. والروح من عالم الأمر ( قل الروح من أمر ربي )الإسراء 85، لا من ذاته سبحانه وتعالى عنا وعلى كل العالمين ..
ــ أن أسجد له ملائكته :( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )البقرة34
ــ أن جعله خليفة له في الأرض :( إني جاعل في الأرض خليفة )البقرة 30
ــ أن علمه كل الأسماء ، مما يعني تعليمه كل علوم الأشياء تمكينا له في عالم الملك وعوالم الملكوت :(وعلم آدم الأسماء كلها )البقرة31
ــ أن جعل له سمعا وبصرا :( فجعلناه سميعا بصيرا)الإنسان2
ــ أن خلقه كامل مكتملا : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )التين4
ــ أن أودع فيه كل الخير : ( وإنه لحب الخير لشديد )العاديات8
ــ أن خصه مع ملائكته الكرام برسوليته دون الجن :(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس )الحج75
ــ أن فضله على العديد من المخلوقات :( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء70
ــ أن أحدثه وخلقه بعد عدم:(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) الإنسان1
ــ أن عادى من عاداه : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )الممتحنة 1
ــ أن خصه بكل النعم :( وآتاكم من كل ما سألتموه )إبراهيم34
وتتتالى نعم الله الظاهرة والباطنة علينا منه سبحانه الكريم السبوح المتعال..
5
إلا أن الإنسان كما قال تعالى : ( لظلوم كفار ) إبراهيم34.ظلوم كفاررغم كل نعم الله المتهاطلة عليه ورغم كل تكريمه له وكل كراماته : (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها)النحل 18...
فتكريم الله عز وجل للإنسان كامل كما تملي الآية الكريمة :
( ولقد كرمنا بني آدم )الإسراء70
بل ولقد يسر لنا الإرتباط الكامل بذاته سبحانه ، وبكل سلاسة :
( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )البقرة 286.
ولم يأمرنا سبحانه إلا بالشهادة بوحدانيته، والإعتراف بربوبيته، للحفاظ على فطرتنا سليمة : نورانية الفكر.. طيبة النفس.. طاهرة القلب.. شفافة الروح ..سليمة الجسد ...بل ولم يطالبنا سبحانه إلا بحفظ أنفسنا من عدونا اللذود إبليس، ومن كل ما قد يضرنا في الدنيا قبل الآخرة : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فاطر6.
والذي يضر في الدنيا ويشقي فيها، يضر في الآخرة أيضا ويشقي..
بل ولم يدعنا سبحانه وتعالى سوى لمنافعنا ، وإلى سعادات وخيرات الدنيا والأبد :
لكن الغرور أشقى ولا يزال يشقي الإنسانية : (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ربك؟ )الإنفطار8.7.6.
6
ورغم كل هذا الغرور، وكل هذا التدني والجحود فإنه سبحانه وتعالى - ومن أجل خطايانا الغزيرة - سمى نفسه سبحانه الرحيم الغفار الغفور الحليم العفو التواب سبحانه ما أصبره ؟ : (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم )الحجر49فرحمنا سبحانه وتعالى ، ستارا بحلمه الكامل ، وبعفوه على كل المسلمين التائبين :
(كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون)رواه الترمدي وإبن ماجة
ليهب لنا وعلى الدوام كل فرص الإنابة والرجوع له ..
بل وليوفر لنا كل شروطها وأساليبها، وكل فرائض ونوافل وكمالات الفلاح والسعادة .
ولحد تعذيبه لمن لم يرد أن يكون سعيدا بها في الدنيا قبل الآخرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق